المادة    
يقول رحمه الله: (وإن كان الرجل خبيراً بحقائق الإيمان الباطنة فارقاً بين الأحوال الرحمانية -التي هي كرامات- والأحوال الشيطانية -التي هي مجرد خوارق عادات- فيكون قد قذف الله في قلبه من نوره)، وهذا هو الذي قال عنه سابقاً: إنه مكاشفات، فالأولياء قد يعطيهم الله تعالى مكاشفات وتأثيرات، والمكاشفات هي ما قال عنه الشيخ: (فيكون الله قد قذف في قلبه من نوره) فأصبح يرى الأشياء بنور الله، كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ))[الحديد:28].
فالنور الذي يقذف في القلب هو ما يسميه الصوفية أو غيرهم مكاشفة، وقال تعالى: (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ))[الشورى:52] فالنور يجلي الله تعالى به الظلمة، والروح يحيي به الميت، فينفخ الروح في الميت، أو في العظام البالية، أو في النطفة الميتة فيحيى بها الروح فتصبح بشراً سوياً.
ولهذا يقول: (فهذا من المؤمنين الذين جاء فيهم الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله ) قال الترمذي حديث حسن)، وقد تقدم الحديث الصحيح الذي في البخاري وغيره، قال فيه: ( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ) فهذا الذي تقدم معنا، يعني: إذا أحبه أصبح سمعه وبصره كما بينا ذلك، إذاً: فهو يرى بنور الله، ويحكم على الأشياء من خلال حكم الله ودين الله، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو النور وهذا هو الروح، وهذه هي الحياة، وهذه هي الحكمة التي من ضل عنها لن يهتدي إلى شيء.
يقول الشيخ رحمه الله: (فإذا كان العبد من هؤلاء فرق بين حال أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كما يفرق الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزائف، وكما يفرق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد، والفرس الرديء، وكما يفرق من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان)، فلا بد أن يفرق الإنسان بين من يدعون الولاية حقاً وبين غيرهم بمثل ما يفرق أهل الخبرة بهذه الأمور، وكما أنه يجب معرفة الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبئ الكذاب، فيفرق بين محمد الصادق الأمين، رسول رب العالمين، وموسى والمسيح وغيرهم عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، وبين مسيلمة الكذاب ، والأسود العنسي ، وطليحة الأسدي ، والحارث الدمشقي ، وباباه الرومي وغيرهم ممن ادعوا النبوة وغيرهم من الكذابين، وكذلك يفرق بين أولياء الله المتقين وأولياء الشيطان الضالين، لا بد من التفريق وإلا اختلطت الأمور، فإذا كان لا يميز هؤلاء من هؤلاء، ويظنهم جميعاً أولياء، وأن كل من تنبأ وادعى النبوة فهو نبي، فإنه سيقع في الضلال، فلابد من معرفة أن هناك فرقاً بين النبي والمتنبئ، وكذلك الولاية فإنه يوجد فرق بين من يقول: أنا ولي وهو كاذب، وبين من يكون ولياً حقاً.
وهنا ينتقل الشيخ رحمه الله ليفتح فصلاً ليبين أسباب ضلال هؤلاء.